العاقل السعيد من نظر في عيبه، وشغل بذلك عن عيوب غيره، وعن كل شيء سوى الله تعالى:
اعلم أن التجسس عن عيوب الناس، وتطلب مساوئهم، يبدي العورات، ويكشف المخبّآت.
وقد نهى الله عز وجل عن ذلك في كتابه العزيز بقوله: {وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} [الحجرات 12].
فاتق الله واشتغل بعيوبك عن عيوب الناس، ولا تكن كمثل الذباب الذي لا يعرج على المواضع السليمة من الجسد، ولا ينزل عليها، وإنما يقع على القروح فيدميها.
فمن بحث عن مساوئ الناس واتبع عوراتهم، واشتغل بعيب غيره، وترك عيبه، سلط الله تعالى عليه من يبحث في عيبه ومساوئه ليشهّرها، ويتبع عورته ويبديها وينشرها.
قال إبن الجوزي: [من سرح لسانه في أعراض المسلمين واتبع عوراتهم.. أمسك الله لسانه عن الشهادة عند الموت] َواستدللتُ بقوله( أم حسِبَ الّذين اجْتَرحُوا السَيئاتِ أن نجعَلهُم كالّذِين آمَنُوا و عَمِلوا الصّالحات سواءً مَحياهُم ومَماتُهم سَاء ما يَحكُمون) فإنما هو هدى ورحمة للمؤمنين وموْعظة وشفاء للمتقين...
وهذا لايتنافى مع وجوب بيان الحق للخلق بالأدلة الشرعية والدفاع عن السنة وفضح أهل الباطل وكشف حقيقتهم ، كما بين تعالى: بقوله :{ إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون }. يقول الإمام القرطبي يرحمه الله مبيناً دِلالة الآية على المقصود :" أخبر الله تعالى أن الذي يكتم ما أنزل من البينات والهدى أنه ملعون" ا.هـ.
ومن الأخبار في ذلك : ما جاء عند أبي داود والترمذي وابن ماجه وصححه الحاكم في " مستدركه " من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وفيه يقول النبي صلى الله عليه وسلم )):من سُئِلَ عن علم فكتمه أُلجِم يوم القيامة بلجام من نار )).
الحديث صحيح و قد صح بألفاظ أخر أيضا وأصل الحديث صححه من المتقدمين ابن حبان والحاكم والذهبي وصححه من المعاصرين الشيخ الالباني.