... وناحت بقربه حمامة....
لم أعد أميز بين تيس مؤنث وعنز مخنث , فقد ادلهم عقلي, وقطعت أوتاره , الا من شيئ واحد أدمى الفؤاد مني و به فتت الكبد .
هذا الشيئ والذي كان منذ زمن غابر أداة لهو وتسلية عند الرعاة حين يبيض وجه السماء ويشتد حره , فيأوي الرعاة إلى جذع فسيلة من عشب هشيم تذروه الرياح , ورعيتهم تنقب بحثا عن بقايا جذور كلإ لا تغنيها ولا تسمنها من طوى ...
وعلى حين غرة تحولت عصا الراعي إلى قلم ففزع وصاح : أي هذا الذي بيدي ؟
وناحت بقربه حمامة , الق ما بي يدك ؟ أو أكون أول من ألقى؟...
عصا جافة يابسة تنطق الأبكم وتسمع الأصم ... وتحرك أفئدة من كان باكيا حسرة على ضياع القيم....
تأملها ذاك الراعي جيدا ثم أدارها بين أصابع يده لعل شيئا في أحشائها هي به حبلى ...
وحان وقت الوضع وأقدم... ووضعت بعسر حملها , وأخرجت أثقالها و وما كان ثاويا في بطنها
وعمت الزغاريد والهتافات الأحياء من سكان الوادي ... فتفننت نساءه وتباهت بما جادت به حناجرهن من أعذب الأصوات والألحان والنغم...
بطل الحج وتولى عا ئدا المعتمر عما عزم غير مهتم...
كلهم... كلهم على الحلبة مترنحين متمايلين سكارى وما هم بسكارى .... حتى هي ذهلت عما حملت , وسهت نشوة عن وليدها ... الفن فتنها والنغم استعبدها , والطرب قيد الجميع ...
فضاع القلم بين الوالدة والرضيع.
ابراهيم تايحي