المرأة أمٌّ وليست أَمَة، مربية وليست خادمة، شريكة عمر لا رفيقة درب عابر،
والرجل هو ربَّان السفينة، يفترض ألا يعرضها لهوج الرياح، ونتوء البحار وإلا حطمها بمن فيها، وشتَّت أفرادها؛
فهاهم الأطفال قد وقفوا والصدمة تكاد تقتلهم بعدما فقدوا معاني الإحساس بالأمن والحماية والاستقرار،
وباتوا فريسة صراعات بين والديهم حول تبعيتهم التي قد تتجاوز حدود المعقول؛
حيث يتسابق كل منهما ليكسب الطفل إلى جانبه،
ولو أدى ذلك إلى استخدام الوسائل الجذابة كالرشوة أو التجسس أو تشويه صورة الآخر.
هنا تتحطم الصورة المتوازية لتركيبة الزوجين في ذهنية الطفل،
الأمر الذي يجعله يفقد الثقة بالاثنين معاً،
وقد يضيق ذرعاً بهذا الوسط الذي يعيش فيه محكوماً بخبرات سيئة؛
فيبدأ في البحث عن وسط جديد علّه يجد فيه تعويضاً عمَّا فقده من حب وحنان،
مما يعرضه أحياناً إلى رفاق السوء الذين يقودونه إلى عالم الجريمة والانحراف.
وبعد الطلاق:
الآن وبعد الطلاق، وبعد أن تهدأ النفوس بعامل الفراق وعامل الزمن تبحث الزوجة عن رفيق جديد للحياة وتصدمها الحقيقة المُّرة
وهي أن الرجال غير مستعدين - في وطننا العربي- أن يتزوجوا امرأة لم تستطع في تجربتها الأولى أن تكسب ودَّ زوجها فيحتفظ بها، فطلقها، أو أصرت هي على الطلاق.
وتصدمها الحقيقة الثانية وهي مشكلة الأولاد
فمن من النساء من ترضى أن تتخلى عن أولادها وتخدم أولاداً غير أولادها إن هي تزوجت رجلاً أرمل أو مطلقًا مثلها
– لن يتمكن من سد حاجيات أطفاله وأطفالها معاً -
بالإضافة إلى غيرته من هؤلاء الأطفال كلما رآهم؛ لأنهم يذكِّرونه دائماً بأن أمهم كانت لرجل قبله.
وتصدمها الحقيقة الثالثة وهي أن أهل المطلقة نفسها ومحيطها لا يقبلون لها حياة العزوبية للاستقرار أولاً وخشية كلام الناس ثانيًا،
فالمرأة المطلقة لا مكان لها وبخاصة إذا كانت شابة جميلة،
ذلك أن المجتمع ربَّى المرأة على فكرة ثابتة وهي أن الجمال الجسماني هو كنزها،
فتحول جسدها إلى إطار ذهني وأصبح الشغل الشاغل للرجل جمال المرأة؛
لذا يسارعون في تزويجها قبل أن تلتئم جراحاتها النفسية وفي كثير من الأحيان يجبرونها على ذلك.
أما إذا حدث الطلاق وقد تقدم بها العمر فلا فرصة أمامها للزواج ثانية،
ذلك أن الرجل كما أسلفنا يتزوج صغيرة السن والجميلة؛
"لأن الجميلة تُصبي من يتزوجها" كما يقولون.
أما الأخريات فينظر إليهن كسلعة تم استهلاكها
وقد نجد بعض المطلقات ممن يحتفظن بأبنائهن، ويرفضن الزواج فتكون المسؤولية الملقاة على عاتقهن ثقيلة بالإضافة إلى كثرة الضغوط النفسية والقيود التي تحيط بهن؛
إذ على الرغم من كل هذه التضحيات إلا أن المجتمع لا زال ينظر إليهن نظرة دونية؛
لأنها امرأة أولاً ومطلقة ثانياً،
كل هذا قد يدفعها السير "بالدفع الذاتي" في الحياة مكبلات بالوحدة والفراغ النفسي والروحي ويتقوقعن على أنفسهن.
فمتى سندرك أن الطلاق بحالته الصحيحة ليس وصمة عار على جبين المرأة بل قد يكون نهاية سعيدة لحياة شقية ومرهقة؟
كلمة = حياة:
خطورة موضوع الطلاق حينما يُفهم على أنه لعبة يلهو بها الرجل،
وأن الحياة الزوجية لا قداسة لها ولا احترام،
فيخرج الطلاق عن الغرض الذي أباحه بسببه الباري عز وجل، واعتبره أبغض الحلال،
فالله تعالى يريد للحياة الزوجية دواماً واستقراراً،
ولكن بشرط أن يكون ذلك محققاً لقدر من السعادة تسير الأسرة في ركابه.
ولكن عندما يعني استمرار الحياة الزوجية تدميراً لسعادتها، وعندما تنقطع كل رابطة مقدسة،
وتُسْتَنفد كل سبل الإصلاح يصبح أبغض ما أحل الله هو الحل؛ تماماً كالطبيب لا يلجأ إلى إجراء عملية جراحية إلا عند الضرورة القصوى،
فلا يجوز للرجل أن يهدد زوجته كلما تعكَّر الجو بينهما: أنتِ طالق!!
ولا أن تهدد المرأة زوجها كلما لاحت بادرة خلاف: طلِّقني!!
فذلك خروج عن جادة الصواب؛ لأن الصواب أن الطلاق لم يُشْرَع ليتلهى به اللاهون، ويعبث به العابثون،
وإنما بعد استنفاد جميع وسائل التفاهم والإصلاح والعتاب،
وبعد تدخل الحكام لإصلاح ذات البين من أهل الزوج أو الزوجة،او في المحكمة لفك الرابط المقدس
.