على مدى عصور كان الانسان يحلم ان يتمكن من النظر في داخل الدماغ لقراءة
افكار الاخرين، وقد خرج الكثيرين الذين ادعوا قراءة الافكار. هذا الحلم
يقترب الان من التحقيق حقيقة. بفضل اجهزة التصوير الحديثة اصبح بإمكان
الباحثين النظر مباشرة في عملية التفكير، بدون الحاجة الى إجراءات اخرى.
منذ سنوات ونحن نعاين صور تعكس المناطق التي تضيئ في الدماغ، عندما يقوم
الشخص المعني برفع يده او يفكر بمنزل مثلا. غير ان هذه الصور عبارة عن
متوسط من الصور لعدد من المحاولات استغرقت اسابيع واشهر للقيام بها. الذي
تغير الان انه اصبح بالامكان متابعة مايحدث في الدماغ في وقت حدوثه بالذات
وملاحظة التفاعلات المتبادلة بين جميع مناطق الدماغ عوضا عن رؤية مناطق
منفصلة ومقطوعة عن بعض. هذا الامر يقدم إمكانية لرؤية العلاقة وبالتالي
يفتح الابواب لقراءة مفصلة للافكار.
العلماء قادرين على إعادة بناء الصورة التي نراها وتكشف مانسمعه وحتى
القائل. الباحث من جامعة كاليفورنيا Jack Gallant :" في القريب العاجل
سيكون من الممكن إعادة بناء الصورة الذهنية فقط على ضوء قياس النشاطات
الدماغية، وسيأتي اليوم الذي نقوم فيه بجعل محتويات الذاكرة والاحلام
مرئية". غلانت وزملائه قاموا بتطوير نوع من مايمكن تسميته " جهاز قراءة
الدماغ"، وهو عبارة عن برنامج كمبيوتري يقوم بفك تشفير نشاطات الخلايا
العصبية في مناطق الرؤية لتظهر لنا الصورة التي ينظر فيها الشخص.
الباحثين يستخدمون احدث منجزات العلم لتصوير الدماغ، وهي عبارة عن جهاز
وزنه 12 طن يقوم بتصوير كل ذرة في اعماق الدماغ بواسطة اشعة مغناطيسية
قوية. الطريقة تسمى:
Magnetic resonance imaging (MRI), en.
Funktionell magnetisk resonans (fMR),sv.
وهي طريقة تستغل واقعة ان الملونات الدموية الحاوية على الحديد
"الهيموجلوبين" والحاملة لذرة الاوكسجين تعطي اشارة مختلفة للغاية عن
الاشارة القادمة من الهيموجلوبين الذي اطلق ذرة الاوكسجين. ومن حيث ان
استهلاك الاوكسجين يعكس استهلاك الطاقة في الخلايا العصبية يعني ان الصورة
عبارة عن عكس المكان الناشط الذي يجري فيه استهلاك الطاقة. هذه الطريقة
اصبحت بسرعة واسعة الانتشار في عالم دراسة الخلايا العصبية.
عادة يقوم الباحثين بأخذ متوسط مجموعة من الصور ليبحثوا فيها عن المؤشرات
القوية على ان المنطقة في حالة تنشيط في حالة معينة ومعطلة النشاط في حالة
اخرى، غير ان جيل جديد من الكمبيوترات الحديثة قدمت طرق احصائية قوية في
عالم ابحاث الدماغ. هذه الطرق قادرة على التقاط وتحليل الصورة النمطية في
النشاط العام، الامر الذي يقدم صورة كاملة. مثلا، كانت الاشارات الضعيفة
والقصيرة تضيع في السابق ، كما ان الباحثين كانوا ينظرون في كل منطقة على
حدى. وحتى لو كانت منطقتين دماغتين، كل واحدة منهما لوحدها لاتقدمان
معلومات عن حالة التفكير ، يمكن لهم ان يفعلان ذلك عند رؤية العلاقة
القائمة بينهم اثناء النشاط. بهذا الشكل تقدم الطرق الجديدة القائمة على
تحليل الصورة النمطية معلومات اكبر بكثير عن حالة الوعي الدماغي.
التجارب الكمبيوترية بدأت بتدريب البرنامج على كل فرد على حدى. في البدء
يقوم الفرد بالنظر الى شاشة، حيث يجري عرض متسلسل من 1750 صورة، كل واحدة
منهم تظهر لثانية واحدة يأتي بعدها فترة استراحة من ثلاث ثوان. بعد كل صورة
تقوم الماكينة بقياس نشاط الدماغ في إطار احداثيات 5000 نقطة، تسمى
فوكسلير voxlar, وهي تمثل مكعبات قياسية بمسافة 2×2×2،5 ملليمتر. الفوكسلير
الذي لايتفاعل مع رؤية الصورة لسبب ما، مثلا لعدم وقوعه في اللحاء البصري،
يجري تصنيفه خارج الحساب. في النهاية كان باقي لدى الباحثين حوالي 500
فوكسلير. كل واحدة منهم يحتوي على مجموع المعلومات القادمة من ملايين
الخلايا العصبية، وهذه يجري تحليلها رياضيا. نتائج هذه السلسلة من الصور
تكون " موديل شخصي" لكل دماغ مشارك في التجربة. في النتيجة "يعلم الموديل"
بسلوك كل فوكسلير وبماذا يتفاعل من الصورة. ومن حيث ان كل فوكسلير يحتوي
على بضعة ملايين من الخلايا العصبية فإن الموديل ليس من النوع البسيط
القائم على مبدأ ان لم يكن هذا فذاك. على العكس يظهر الموديل ردود فعل
معقدة، حيث يكون جميع الفوكسليرات منشطة بمستوى ما، بحيث تقدم جزء من
الصورة. ومع ذلك توجد هناك اختلافات. بعض الفوكسليرات يجري تنشيطهم، مثلا،
بفضل حدة الضوء على طرف من اطراف الصورة في حين يجري تنشيط البعض الاخر
بواسطة الخطوط والمنحنيات والبعض الاخر من خلال الهيكل الخارجي.
عندما ينتهي الكمبيوتر من " التدرب" يصبح جاهزا للتجربة العملية. الان يعكس
الخبراء مجرى الاختبار ويدعون الموديل يتنبأ النشاطات في الفوكسيلرات خلال
نظر مشاركين التجربة الى 120 مختلفة تماما عن ماذكر سابقاً وغير موجودة
مثيل لها في 1750 الاولى. بعد ذلك، وعند نظر المشارك الى صورة يصبح
الكمبيوتر قادر على مطابقة صورة نشاط الدماغ المتنبأ بها مع صورة النشاط
الحاصل فعلا والعثور على الصورة التي نظر المُشارك اليها.
حتى بالنسبة للمشارك الذي اعطى الموديل بشأنه اسوء النتائج وصلت نسبة
التقديرات الصحيحة الى 72%، في حين ان افضل النتائج وصلت الى 92%. لو كان
الامر مجرد تحزير لتمكن الكمبيوتر من الوصول الى نسبة 0،8% فقط. الاختلاف
في النتائج بين الاشخاص المشاركين يمكن ان تكون بسبب مقدار مناسبة ادمغتهم
للتصوير المغناطيسي. حسب غالانت، تعكس النسب المئوية الحدود الخارجية لما
نعتقده انه الانسان النمطي وعلى اساسه يجري اختيار الاشخاص المشاركين في
التجربة.
على هذه الخلفية يمكن ان نتساءل: الى اي درجة تعكس 120 صورة مايمكن ان نراه في الطبيعة فعلا؟
بالطبع تنخفض فعالية الموديل كلما كانت الصور قريبة لبعضها غير ان دقة
الموديل تنخفض 10 بالمئة فقط عندما يرفع العلماء من مستوى التحديات لتصل
الصور الى 1000 صورة.
وحتى إذا نظر المشارك الى صور لا على التعيين مباشرة من الانترنيت، فإن
الموديل قادر على التنبوء بالصورة الصحيحة كل خامس مرة، وهو امر يبقى مثيرا
للاعجاب، على الرغم من انه لايمكن ان يماثل " قراءة الافكار" مباشرة من
الدماغ.
في مدينة كيوتو اليابانية اختار فريق من العلماء بقيادة الدكتور Yukiyasu
Kamitani طريقا مختلفا لتناول المعضلة. بعد ثمانية اشهر من المقال الذي
عرضه الباحث غالانت قدموا " قارئ افكار" قادر بنفسه على رسم صور الدماغ.
بالخطوط العريضة، تشبه طريق اليابانيين طريقة غالانت من حيث انهم يبدؤن
بتدريب الكمبيوتر على شخصين ينظرون الى 440 صورة ليقارنوهم بالنشاط
الدماغي.
غير ان صور اليابانيين اكثر بساطة. مساحة الصور (الحقل) لاتتجاوز 10×10
وملونة بالابيض او الاسود بطريقة اعتباطية. بهذا الشكل تكون المهمة اكثر
منهجية والباحثين يستطيعون التعرف على النشاطات الدماغية من قاعدة 3000
فوكسلير جرى تعريفهم ويعادلون اطياف التظليل في مئة حقل.
فيما بعد، عندما يقومون بتنظيم الحقول على اشكال هندسية واحرف ويجرون تصوير
الدماغ على اشخاص التجربة يستطيع الكمبيوتر تحليل صورة النشاطات في
الادمغة بشكل يكفي لإعادة التعرف على الصورة التي رآها الشخص.
ومن حيث انه يوجد عدد كبير من الطرق (2100) لإملاء الحقول باللون الاسود او
الابيض، تكون النتائج مثيرة للاعجاب بدقتها. وعلى الرغم من بساطة الصور
يشير الخبراء الى انها تقدم هائل يشير الى ان قراءة الافكار ليس محدود
بإعادة التعرف على مجموعة معروفة مسبقا من الصور وانما ان الانسان، عمليا،
قادر على إعادة بناء الصورة من الاساس بدون الحاجة ان يكون لديه اي فكرة
مسبقة عنها. بمعنى اخر يفتح هذا الاكتشاف الطريق لتسجيل الاحلام على شريط
فيديو.
ليس فقط دواخل ادمغتنا يمكن للعلماء قرائته، بل الامر اوسع بكثير. في جامعة
ماسستريختش الهولندية تمكن الدكتور Elia Formissano وزملائه من البرهنة
إمكانية فك تشفير الكلام المنطوق بواسطة التصوير المغناطيسي. ةتمكنوا ايضا
من التعرف على الشخص الذي نطق الكلمات.
تماما كما كان الحال في التجارب الاخرى، استخدم العالم الهولندي كمبيوتر
قارئ للافكار لتحليل النشاطات الدماغية في منطقة اللحاء المسؤول عن النطق
وقارنه بالصوت. عن سبعة اشخاص من اشخاص التجربة جرى التعرف على نوعين
مختلفين من صور النشاط الدماغي للحروف الصوتية الثلاث: آ، ي، و، والاشخاص
الثلاثة الذي نطقوا هذ الاحرف. عندما قام الباحث بإختبار الكمبيوتر بتعابير
صوتية جديدة، تمكن الكمبيوتر من التعرف عليهم بنسبة صحة 70-60%، بغض النظر
عن القائل، وعن شخصه، وبدون الارتباط بما يقولون.
النقطة الاخيرة كانت مفاجأة، إذ كان الاعتقاد ان المعلومات التي تكشف شخصية
القائل تظهر في مرحلة اعلى في هرم الاصوات الدماغي. ولكنا الان اصبحنا
نعلم انها تقع قريبة من المستوى الذي نتعرف فيه على الصوت. هذا الامر يمكن
ان يفتح الابواب لتحسين معلوماتنا عن قدراتنا المذهلة للتركيز على طيف من
الاطياف الصوتية واستبعاد الاصوات الاخرى على إعتبارها خلفية شواشية.
غير ان التغيير الكبير هو لنجاح في فك تشفير الكلام. من حيث المبدأ فإن
اللغة هي تركيب مجموعة اصوات معتمدة نمطيا، وعلى الرغم من العلماء اكتفوا
بثلاثة اصوات من ثلاثة اشخاص، فإن التجربة تبرهن على إمكانية إعادة التعرف
على اصوات مترابطة في كلمات ومعاني. بذلك يمكن القول انه المحتمل ان يأتي
اليوم الذي تجري فيه المحادثة بتبادل اصوات داخلية وعلى الاطلاق بدون اصوات
مسموعة.
وعلى الرغم من التمكن من فك تشفير الصورة والاصوات، لتصبح غمكانية قراءة
الافكار (صورة وصوت) على الابواب، بما فيه تسجيل الاحلام، إلا ان تحقيق ذلك
فعليا لازال في رحم العشرين سنة القادمة، على الاخص لتحسين ادوات التصوير
المتاحة، إذ ان التصوير المغناطيسي لايتوافق تماما مع الاشعارات الكهربائية
المنطلقة عن الخلايا العصبية وبالتالي ليس دقيقا، ولكنه الافضل حتى الان.
اليوم، وبدرجات مختلفة يجري تطويرها، بالامكان استخدام التصوير المغناطيسي لتحقيق العديد من الامور، منها:
التواصل مع المريض الواقع في حالة قريبة من الغيبوبة
تحسين فهمنا للمرض وتقديم تمارين لمعالجة بعض الامراض مثل الادمان والالم
كشف الكذب بإستخدام الاشارات الواقعة خارج قدرة الوعي على التحكم فيها
كشف فيما إذا المتهم كان موجودا في مكان الجريمة
استخدام الدماغ مباشرة للتحكم بالكمبيوتر
التمرن على الشعور بالسعادة
والعديد من الامكانيات الاخرى