القصة أن ابن الهرمة هذا، كان صديقًا ونديمًا للأمير، وكان يذهب إليه في المساء، بعد أن تنام المدينة كلها، ليسامره ويسري عنه لما عرف عن ابن الهرمة من خفة الظل وإدمان الخمر!! وكانت المشكلة اليومية أن ابن الهرمة عندما ينصرف من قصر الأمير في جنح الظلام يصادفه العسس ويستوقفونه، فيتلاحظ لهم رائحة الخمر وهي تفوح من فمه فيقبضون عليه، ويحيلونه للقاضي!!
.. كان ابن الهرمة لا يريد أن يكشف سره وسر الأمير ولا يستطيع بالتالي أن يقول للعسس إنه كان يشارك الأمير في كل شيء، وبالتالي كان ينساق لأوامرهم ويذهبون به إلي القاضي الذي يكاد يقيم عليه الحد حتي يستيقظ الأمير ويتدخل للعفو عنه في اللحظة الأخيرة!! وكان هذا يسبب حرجًا للأمير، وألمًا وإهانة لصديقه ابن الهرمة.
وذات يوم بحث الأمير عن ابن الهرمة فلم يجده فأرسل في طلبه فحضر صديقه إليه، مشترطًا عليه، أن يعطيه «صكًا» يضعه في جيبه، ويقدمه إلي العسس حتي لا يقبضوا عليه إذا وجدوه سكرانًا!!
..استشعر الأمير الحرج في أن يكتب صكًا يطلب فيه من عسسه عدم القبض علي رجل شارب الخمر، لما يحتمله هذا من شبهة الخروج عن الشرع، والتعارض مع حدود الله، فطلب من ابن الهرمة أن يفكر في حل آخر يقيه شر العسس ولا يضع الأمير في هذا الموقف الحرج!! أمام الرعية، ورجال الدين، وخصوم الأمير!!
.. غاب ابن الهرمة أيامًا، وعاد للأمير ومعه الحل(!!) وكان الحل أن يصدر الأمير مرسومًا أميريًا يقول فيه الآتي: نحن أمير المؤمنين وقد تلاحظ لنا، أن هناك من بين الرعية رجلاً يدعي ابن الهرمة، كثر القبض عليه ليلاً وهو شارب الخمر، وقد عفونا عنه مرات ومرات دون أن يرتدع لذا نأمر بالآتي:-
«إذا ضبط ابن الهرمة سكرانًا في أي وقت من أوقات الليل والنهار يجلد مائة جلدة، ويجلد من شارك في القبض عليه خمسين جلدة(!!)
.. وهكذا ضمن ابن الهرمة أن صدور هذا المرسوم الأميري سيمنع أيًا من عسس الأمير وعساكره من التعرض له أو القبض عليه(!!) وأصبح ابن الهرمة وقانونه مضربًا للمثل في التحايل بالقانون لتحقيق رغبات الأمير وصديقه.
ربنا يرحمنا من ابن هرمة وكل ابن هرمة .!