اعجبني الموضوع فاحببت مشاركتكم قرأته
بسم الله الرحمن الرحيم
ا
اتصل بي صديق قديم قبل أسبوع، وطلب مني مقابلته لأمر هام، وعندما قابلته عرض علي مشكلة كبيرة، فقد روى لي صديقي أنه رأى ابنة أخته ذات الاثني عشر ربيعا، تجلس أمام شاشة الكمبيوتر وتتصفح موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك"، وعرف أنها تحادث شبابا وفتيات في سنها وغير سنها، وأن إحدى هذه السيدات حاولت أن تحدث ابنة أخته في "الحب والعاطفة والمشاعر تجاه الجنس الآخر" إلا أن الفتاة ردت بأنها لا تزال طالبة ولا تشغل بالها بغير التعليم، كل هذا بغير علم والديها، واحتار الصديق ماذا يفعل في تلك المشكلة؟ وهل يخبر والدي الفتاة؟ وكيف تكون معالجة هذا الوضع الخاطئ؟!.
لقد أثار ما رواه لي صديقي موضوعا خطيرا، لا يمكن التغاضي عنه أو التقليل من شأنه، بل يجب مواجهته بكل قوة وإصرار على معالجته معالجة سليمة واقعية، ألا وهو خطورة شبكات التواصل الاجتماعي والفيس بوك بشكل خاص على المراهقين، من الشباب والفتيات على حد سواء، فالأمر لا يتعلق فقط بحالة هنا وأخرى هناك، بل هي قضية عامة تخص كل بيت من بيوت المسلمين فيه أبناء في تلك السن الحرجة، وذلك الجهاز –الحاسوب- الذي هو سلاح ذو حدين، فهو خير ما دمنا نحسن استغلاله، وشر قاتل إذا أسأنا التعامل معه، واستغلاله فيما لا يفيد ولا ينفع.
خطورة الفيس بوك على المراهقين
تشكل شبكات التواصل الاجتماعي عموما وبشكل خاص موقع "فيس بوك" لمميزاته المختلفة، خطورة كبيرة على المراهقين، وهذه الخطورة لا يمكن حصرها ولا حصر تداعياتها، وتشكل أزمة كبيرة ومشكلة ضخمة ما لم يتم معالجتها بالشكل الصحيح، ومن أهم هذه المخاطر أن هؤلاء المراهقين لا يدركون كون هذا الموقع هو عالم افتراضي، وأن هذه الشخوص التي يتعرف عليها قد تكون حقيقتها مغايرة تماما لما تعرف بها نفسها أو تظهر، ومع عدم خبرة هؤلاء المراهقين، فإنهم قد يصبحون ضحايا لشبكات النصب والاحتيال، أو شبكات القرصنة التي باتت تستغل الفيس بوك مؤخرا بشكل كبير في اختراق أجهزة الحاسوب والحصول على كل المعلومات والبيانات والصور العامة والخاصة التي يحتوي عليها، ثم يقومون باستغلالها في ابتزاز هؤلاء الأشخاص، من خلال تركيب الصور مثلا، خصوصا عندما يضع المراهق بياناته الشخصية ومحل سكنه في الحساب الخاص به، وتبدأ هنا مأساة كبيرة تكون الفتيات هن ضحاياها.
كما يقوم المحتالون من ذوي النفوس المريضة والذمم البالية والضمائر الميتة، بمحاولة خداع الفتيات المراهقات، من خلال محادثتهن عبر حسابات وهمية وأسماء مستعارة، لإثارة عواطفهن، وإشغال عقولهن بما لم يكن في حسبانهن في هذه السن الحرجة، وتبدأ الفتاة منهن تستجيب شيئا فشيئا، وتظن أنها بهذا تشبع عاطفتها، حتى تقع في فخ محكم نصبه ذلك الذئب البشري.
إن تواصل المراهقين عبر الفيس بوك دون رقابة جيدة، قد يجعلهم يقضون وقتهم في تبادل الصور أو الأحاديث الجنسية، أو إقامة علاقات مع الجنس الآخر، وإضاعة الوقت في التعارف والأحاديث ليلا ونهارا، بما يفسد العقول والقلوب والفطر السليمة، وربما تتطور هذه العلاقات على الشبكة العنكبوتية إلى علاقات حقيقية على أرض الواقع، خصوصا مع ضعف الجانب التربوي وفشل كثير من الأسر في احتواء أبنائها وتوجيههم التوجيه السليم الذي يحفظ أخلاقهم وأعراضهم ودينهم، وكم من جرائم وكوارث حدثت جراء ذلك الموقع الذي لا يفرض قيودا ولا يضع حدودا لتعامل هؤلاء المراهقين.
اكتشاف الخطأ وعلاجه
عندما يعلم أحد أفراد الأسرة بأن أحد المراهقين يسئ استخدام موقع التواصل الاجتماعي، لا يجب حينها أن يذهب لعقابه وتوبيخه، فهذا الأسلوب لم يعد يجدي في زماننا هذا، أو أن يقوم بفضح أمره أمام جميع الأسرة، أو يجعل من ذلك وسيلة لابتزازه كما يفعل بعض الأخوة مع إخوانهم المراهقين، فكل هذا سيدفع ذلك المراهق إلى رد فعل عنيد، وتكون النتيجة سلبية، بل يجب أن يتم التفكير في الأمر مليا، والبحث عن كيفية مواجهة هذه المشكلة وعلاجها بالشكل الذي يحقق أفضل نتيجة ممكنة.
ويبدأ علاج هذه المشكلة من خلال اختيار أقرب أفراد الأسرة إلى هذا المراهق، سواء كان الأب أو الأم أو أحد الأخوة أو الأخوات الكبار، أو حتى في الدائرة الأوسع قليلا التي تضم الأخوال والأعمام وأبنائهم، بحيث يكون شخصا محببا إلى ذلك المراهق لديه القدرة على التأثير فيه، على أن يقوم ذلك الشخص بالتقرب أكثر وأكثر من المراهق ويعمل على احتوائه حتى يستريح له أكثر، ويستطيع أن يحادثه في الموضوع بلا حرج أو رهبة للمراهق، ويبين له خطورة هذا التعامل مع هذا الموقع، والمشاكل التي قد تنتج عنه، ويسعى لإقناعه بأسلوب مبسط، ولا يمل من تكرار المحاولات ولا يسعى لفرض رأيه من أول مرة ويحتد على ذلك المراهق، فإن هذا قد يدفع المراهق إلى التعامل بسرية أكثر وبالتالي تتفاقم المشكلة.
ثم بعد هذا يجب فرض نوع من الرقابة الأسرية على ذلك المراهق، فلا يسمح له مثلا في الفترة التالية مباشرة بأن يجلس بمفرده أمام الحاسوب أو أن يجلس ساعات طويلة، ويكون ذلك بشكل غير مباشر، كأن يُوضع الحاسوب في مكان ظاهر في البيت بعيدا عن الغرف المغلقة، حتى لا يلاحظ المراهق أنه مراقب ويؤثر ذلك في نفسه فيلجأ إلى العناد والمكابرة.
من المهم أيضا أن يتم إشغال المراهق بأكثر من أمر حتى لا يجد وقتا فارغا يعود فيه إلى ذلك الموقع ويستغله استغلالا سيئا، فيتم إشغاله بنشاط ثقافي أو اجتماعي، أو تكليفه بعمل ما يقوم به على الفيس بوك، بحيث لا يجد وقتا كثيرا، يتعرف فيه على أشخاص لا يعرفهم أو أن يدفعه الفضول إلى البحث في أمور ليس هذا وقت التفكير فيها.
الوقاية خير من العلاج
إننا أمام معضلة كبيرة، وفي زمان قد كثرت فيه الفتن واستعصت الكثير من المشاكل على الحل، وخرجت فيه أجيال جديدة، لا تعرف من التربية إلا اسمها، ولا تعرف عن الدين إلا القشور مما يسمونها "وسطية واعتدال"، فلا فروض ولا واجبات ولا حساب ولا عقاب، ولا رقابة ولا مسئولية، دعوى الحرية فيه منتشرة، والعجب أنهم قيدوا الحريات السياسية وتركوا الحبل على الغارب للحريات الفكرية والجنسية والدعوة للفسق والمجون، وفي مثل هذا الزمان، يجب أن نهتم كثيرا وننفذ القاعدة الذهبية "الوقاية خير من العلاج".
يجب علينا أن نهتم بالتربية كثيرا، وكثيرا جدا، فللأسف قد أصاب مفهوم التربية لدى كثير من الأسر الكثير من الخلل، حيث صارت التربية لديهم هي الإعاشة، فقط يهتمون بالمأكل والملبس والمشرب والتحصيل الدراسي، أما تهذيب الأخلاق وتصفية العقول وتنقيتها من الشوائب والخبث الذي يبثه السرطان الإعلامي، والتركيز على القيم الدينية والالتزام بما أوجبه الله -عز وجل- من فروض وما سنه نبيه الكريم –صلى الله عليه وسلم- من سنن، واعتماد الصداقة بين الأبناء والآباء أسلوبا أمثل للتربية بلا إفراط ولا تفريط، فهذا لم يعد محل اهتمام الكثير من الآباء.
يجب أن يتحرر الآباء من أسر الطرق التقليدية في التربية، التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، فالزمان غير الزمان والطباع غير الطباع والظروف غير الظروف، وقد نسب إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله "لا تكرهوا أبناءكم على أخلاقكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم"، كما نسب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قولا مشابها وهو "لا تؤدبوا أولادكم بأخلاقكم لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم"، ويعني أن نهتم بالمستجدات التكنولوجية والظواهر المجتمعية، واختلاف الطباع بين الآباء والأبناء وبين الأبناء وبعضهم، وهكذا.
خاتمة
إن هذا الموضوع خطير ومهم للغاية، ولا يمكن اختزاله في صفحتين أو ثلاثة، بل يحتاج إلى دراسة معمقة وبحث علمي رصين، تراعى فيه كل الظروف وتؤخذ فيه كل الاحتمالات، ويستعان فيه بالخبراء والمختصين تربويين ونفسيين واجتماعيين وخبراء التكنولوجيا كذلك، بحيث تكون الدراسة واقعية تخرج بتوصيات قابلة للتنفيذ، وليس مجرد دراسات أكاديمية لا تسمن ولا تغني من جوع.
نشر في رسالة الإسلام