شاركت المرأة الرجل في بناء المجتمع الإسلامي وكان لها دورها المهم في معظم مناحي الحياة دينيًا وتربويًا واقتصاديًا. فمن النساء المسلمات من اشتهرت بحفظها لكتاب الله عز وجل، ومنهن راويات للحديث وفقيهات وشاعرات وطبيبات، ومنهن من أجادت القراءة والكتابة، وهن قليلات في مجتمع الجزيرة العربية في صدر الاسلام، فالكتابة أمر مهم في تاريخ الحضارة الاسلامية، ويكفي الخط العربي واللغة العربية أن الله أقسم بالقلم وسيلة الخط والكتابة فقال {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} وقال {اقْرَأْ وَرَبُّك الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} وقد حض الإمام علي بن أبي طالب على تعليم الأبناء الكتابة بقوله "أكرموا أولادكم بالكتابة" ومن النساء اللواتي برعن بالكتابة الشفاء بنت عبد الله التي كانت تكتب في الجاهلية ومنهن أيضًا السيدة حفصة بنت عمر أم المؤمنين التي تعلمت من الشفاء الخط والكتابة، وعائشة بنت سعد، وسواهن كثيرات من نساء الأمة.
فصاحبة ترجمتنا صحابية جليلة برعت في الكتابة وفي الطب والرقية، وهي الشفاء بنت عبد الله بن عبد شمس بن خلف القرشية العدوية أم سليمان قيل اسمها ليلى، والشفاء لقب لها. أمها فاطمة بنت أبي وهب بن عمرو، وتزوجها أبو حثمة بن حذيفة بن غانم القرشي العدوي فولدت له سليمان.
أسلمت الشفاء قبل الهجرة، فهي من المهاجرات الأول، وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم، كانت من عقلاء النساء وفضلائهن، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيها ويقيل (ينام ظهرا) عندها في بيتها، وكانت اتخذت له فراشًا وإزارًا ينام فيه، فلم يزل ذلك عند ولدها حتى أخذه منهم مروان بن الحكم.
وأقطعها رسول الله صلى الله عليه وسلم دارًا عند الحكاكين (بالمدينة)، فنزلتها مع ابنها سليمان، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقدمها في الرأي ويرضاها ويفضلها وربما ولاها شيئًا من أمر السوق.
عن الشّفَاءِ بِنْتِ عَبْدِ الله قالَتْ "دَخَلَ عَلَيّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا عِنْدَ حَفْصَةَ فقال لِي: ألاَ تُعَلّمِينَ هَذِهِ -يعني حفصة- رُقْيَةَ النّمْلَةِ كَمَا عَلّمْتِيها الْكِتَابَةَ". رواه أحمد وغيره. وقد رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرقية من الحمى والعين والنملة.
النَّمْلَة: قُروح تخرج فى الجنبين، وقيل: هو داء معروف، وسُمِّى نملةً، لأن صاحِبَه يُحس فى مكانه كأنَّ نملة تَدِبُّ عليه وَتعضُّه. ويصفها أطباء العصر الحديث بأنها مرض جلدي يشبه نوعا من أنواع الأكزيما.
وذكر بقي بن مخلد أن الشفاء كانت ترقي في الجاهلية وأنها لما هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت قد بايعته بمكة قبل أن يخرج فقدمت عليه فقالت: يا رسول الله إني كنت أرقي برقى الجاهلية وقد أردت أن أعرضها عليك قال "اعرضيها علي". فعرضتها عليه فكانت منها النملة، فقال "ارقي بها وعلميها حفصة" فكانت تقول "بسم الله صَلوبٌ حين يعُودُ من أفواهها فلا تضر أحدًا، اللهم اكشف البأس رب الناس". فكانت ترقي بها على عود كركم (زعفران) سبع مرات، وتضعه مكانًا نظيفًا ثم تدلّكه على حجر بخلّ ثقيف وتطليه على النملة. رواه الحاكم في المستدرك.
ومن أشهر مروياتها أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الأَعْمَالِ، فَقَالَ «إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَجِهَادٌ فِى سَبِيلِه وَحَجٌّ مَبْرُورٌ». رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.
وفاتها
توفيت صاحبة الرقية ومعلمة الكتابة والطبيبة في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة عشرين من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن خدمت هذه الأمة ورقت مرضاها وعلمت نساءها فجزاها الله عن أمتنا خير الجزاء.