الشيخة الصالحة العالمة العابدة الزاهدة فاطمة بنت أحمد بن عبد الدائم الزبيرية ولدت قبيل المائتين، كانت امرأة شيخة تقية من أهل العراق، كانت حنبلية المذهب، كثير من نساء مكة استفدن منها في الزهد والعلم والتقوى، وانتفعن بها انتفاعًا ظاهرًا وصار ممن يتردد إليها منهن يعرف من بين النساء بالدين والتقوى والورع والمواظبة على فرائض الدين والقناعة.
توجهت إلى العلم توجهًا تامًا، وتعلمت الخط منذ صغرها، فأتقنته وكتبت كتبًا كثيرة في فنون شتى، وقرأت شيئًا من كتب الحديث وأجازها جمع من العلماء. حجت ثم زارت الرسول صلى الله عليه وسلم ثم نوت الإقامة في مكة، فصار لها شهرة بالتقوى والصلاح والعلم.
عميت سنتين ثم ذات ليلة أرادت أن تتوضأ لصلاة الليل، تزحلقت على درج فانكسر ضلعان من أضلاعها، ومع ذلك تكلفت وصَلَّت، ثم نامت فرأت الرسول وأبا بكر وعمر مقبلين من جهة الكعبة، وباب بيتها كان مواجهًا للكعبة، فجاء الرسول فبصق على طرف ردائه، وقال لها: امسحي به عينيك، فأخذت الرداء فمسحت به عينيها، فأبصرت في الحال، ثم وضعته على موضع الكسر فتعافى، ثم الرسول أشار لها إلى اثنين، قال لها: هذان في زمانهما عالمان من أهل مكة مثل أبي بكر وعمر في زمانهما، يعني في علو درجتهما في زمانهما، وأشار إلى اثنين من العلماء فقال لها: هذان فاسقان، ذمهما. ثم استيقظت، ولما جاءت خادمتها رأتها مبصرة فقصت عليها قصتها.
أخبرت خادمتها بما رأت في المنام، انتشر خبرها في الأرض، وصار العلماء يراسلونها، وأخبرت العالمين الدينين بما رأت، فطلبا منها أن لا تخبر الناس في حياتهما من شدة تواضعهما، يخافان على أنفسهما الفتنة والرياء، أولياء الله يخافون على أنفسهم أن يقعوا في الفتنة.
ثم هذه الكرامة لهذه الولية معجزة للرسول صلى الله عليه وسلم هذه أعجب من معجزة عيسى عليه السلام الذي دعا لهم فشفوا، الرسول بالمنام شفى بإذن الله.