نسبها
أُمُّ المُؤْمِنِيْنَ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الحَارِثِ بنِ أَبِي ضِرَارٍ المُصْطَلِقِيَّةُ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ وَغَيْرُهُ: بَنُو المُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، وَكَانَ زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ ابْنُ عَمِّهَا مُسَافِعُ بنُ صَفْوَانَ بنِ أَبِي الشُّفَرِ، فقُتِل يوم المُرَيْسِيْع. وقيلَ كانت تحتَ مالكِ بنِ صَفوان. سُبِيَتْ يَوْمَ غَزْوَةِ المُرَيْسِيْعِ، فِي السَّنَةِ الخَامِسَةِ، وَكَانَ اسْمُهَا: بَرَّةَ، فَغُيِّرَ، وَكَانَتْ مِنْ أَجْمَلِ النِّسَاءِ.
زواجها من رسول الله
تزوّجَها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعدَ أن أعتَقَها، وذلكَ بعدَ غَزوة المُرَيْسِيع. وعَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: أَعْتَقَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُوَيْرِيَةَ، وَاسْتَنْكَحَهَا، وَجَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ كُلِّ مَمْلُوْكٍ مِنْ بَنِي المُصْطَلِقِ.اهـ
وَقَدْ قَدِمَ أَبُوْهَا الحَارِثُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ. قال ابن إسحاق: أقبل أبوها الحارث بن أبي ضرار لنداء ابنته، فلما كان بالعقيق نظر إلى الإبل التي جاء بها للفداء، فرغب في بعيرين منها. فغيبهما في شعب من شعاب العقيق. ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أخذتم ابنتي وهذا فداؤها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فأين البعيران اللذان غيبت بالعقيق في شعب كذا وكذا " فقال الحارث: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، ما اطلع على ذلك إلا الله. وأسلم الحارث وابنان له وناس من قومه.
بركة جويرية
وخرج الخبر إلى مسامع المسلمين، فأَرْسَلُوا ما في أيْدِيهِمْ مِنَ السّبْيِ فأَعْتَقُوهُمْ، وَقالُوا: أصْهَارُ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم. فكانت بركة جويرية من أعظم البركات على قومها. قالت عنها السيدة عائشة رضي الله عنها: فمَا رَأَيْنَا امْرَأَةً كَانَتْ أعْظَمُ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا، أُعْتِقَ في سَبَبها مِائَةُ أهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي المُصْطَلِقِ".
صفاتها وأهم ملامحها
كانت السيدة جويرية من أجمل النساء، كما أنها تتصف بالعقل الحصيف والرأي السديد الموفق الرصين، والخلق الكريم والفصاحة ومواقع الكلام كما كانت تعرف بصفاء قلبها ونقاء سريرتها، وزيادة على ذلك فقد كانت واعية، تقية، نقية، ورعة، فقيهة، مشرقة الروح مضيئة القلب والعقل. عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَتْ جُوَيْرِيَةُ امْرَأَةً حُلْوَةً مُلاَّحَةً، لاَ يَرَاهَا أَحَدٌ إِلاَّ أَخَذَتْ بِنَفْسِهِ...، الحَدِيْثَ بِطُوْلِهِ.
رواياتها للحديث
حَدَّثَ عَنْهَا: ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَآخَرُوْنَ. جَاءَ لَهَا سَبْعَةُ أَحَادِيْثَ، مِنْهَا عِنْدَ البُخَارِيِّ حَدِيْثٌ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ حَدِيْثَانِ. وعَنْ جُوَيْرِيَةَ بِنْتِ الحَارِثِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ جُمُعَةٍ وَهِيَ صَائِمَةٌ، فَقَالَ لَهَا: (أَصُمْتِ أَمْسِ؟). قَالَتْ: لاَ. قَالَ: (أَتُرِيْدِيْنَ أَنْ تَصُوْمِي غَداً؟). قَالَتْ: لاَ. قَالَ: (فَأَفْطِرِي). رَوَاهُالبخاري. واستدل جمهور العلماء بهذا الحديث على كراهة إفراد يوم الجمعة بالصيام، إلا أن يصله بما قبله أو بعده.
العابدة الذاكرة
راحت السيدة جويرية تحذو حذو أمهات المؤمنين في الصلاة والعبادة وتقتبس من الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومن أخلاقه وصفاته الحميدة حتى أصبحت مثلا في الفضل والفضيلة. فكانت أم المؤمنين جويرية من العابدات القانتات الذاكرات الصابرات، وكانت مواظبة على تحميد العلي القدير وتسبيحه وذكره. فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا بُكْرَةً حِينَ صَلَّىَ الصُّبْحَ، وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أَنْ أَضْحَىَ، وَهِيَ جَالِسَةٌ.فَقَالَ: "مَا زِلْتِ عَلَىَ الْحَالِ الَّتِي فَارَقْتُكِ عَلَيْهَا؟".قَالَتْ: نَعَمْ.قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِمَا قُلْتِ مُنْذُ الْيَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ وَرِضَا نَفْسِهِ وَزِنَةَ عَرْشِهِ وَمِدَادَ كَلِمَاتِهِ". رواه مسلم وغيره.
قوله: (وَهِيَ فِي مَسْجِدِهَا)، أي: موضع صلاتها. قوله: (سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ مِدَادَ كَلِمَاتِهِ)، هو بكسر الميم. قيل: معناه مثلها في العدد. وقيل مثلها في أنها لا تنفذ. وقيل في الثواب، والمداد هنا مصدر بمعنى المدد وهو ما كثرت به الشيء. قال العلماء: واستعمله هنا مجاز لأن كلمات الله تعالى لا تحصر بعد ولا غيره، والمراد المبالغة به في الكثرة لأنه ذكر أولاً ما يحصره العد الكثير من عدد الخلق ثم زنة العرش، ثم ارتقى إلى ما هو أعظم من ذلك وعبر عنه بهذا أي: ما لا يحصيه عد كما لا تحصى كلمات الله تعالى.
وفاتها
تُوُفِّيت وهي ابنةُ خمسٍ وسِتّينَ سنةً، وذلكَ في شَهر رَبيعٍ الأوّل سنةَ سَبعٍ وخمسينَ في خِلافَةِ مُعَاويةَ، وقيلَ سَنةَ سِتّينَ، وصَلّى علَيها مَروانُ بنُ الحكَم وَالي المدِينة.
رضي الله عنها وجمعنا معها تحت لواء سيد المرسلين محمد عليه الصلاة والسلام.