الدِّمَشْقِيَّةُ، السَّيِّدَةُ، العَالِمَةُ، الفَقِيْهَةُ، هُجَيْمَةُ بِنْتُ حُيَيٍّ الوَصَّابِيَّةُ، وَقِيْلَ: جُهَيْمَةُ، الأَوْصَابِيَّةُ، الحِمْيَرِيَّةُ، وَهِيَ أُمُّ الدَّرْدَاءِ الصُّغْرَى. إنها زوجة صحابي جليل، عرف عنه الحكمة وحب الذكر والطاعة، وقد أخذت عنه حب الذكر والشغف به، حتى أصبح لقلبها بمثابة الماء للأرض والري للظمآن، فلا تجد حياة فؤادها إلا حينما تذكر بلسانها أو تسمع بأذنها وذلك كله مع حضور القلب ويقظة النفس.
رَوَتْ عِلْما جَمًّا عَنْ: زَوْجِهَا أَبِي الدَّرْدَاءِ. وَعَنْ: سَلْمَانَ الفَارِسِيِّ، وَكَعْبِ بنِ عَاصِمٍ الأَشْعَرِيِّ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَطَائِفَةٍ. وَعَرَضَتِ القُرْآنَ وَهِيَ صَغِيْرَةٌ عَلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، وَطَالَ عُمُرُهَا، وَاشَتَهَرَتْ بِالعِلْمِ وَالعَمَلِ وَالزُّهْدِ. حَدَّثَ عَنْهَا: جُبَيْرُ بنُ نُفَيْرٍ، وَأَبُو قِلاَبَةَ الجَرْمِيُّ، وَسَالِمُ بنُ أَبِي الجَعْدِ، وَرَجَاءُ بنُ حَيْوَةَ، وَيُوْنُسُ بنُ مَيْسَرَةَ، ومَكْحُوْلٌ، وغيرهم.
إيثارها لزواج الآخرة
عن بقية بن الوليد أن إبراهيم بن أدهم قال: قال أبو الدرداء لأم الدرداء: إذا غضبتِ أرضيتُكِ وإذا غضبتُ فارضيني، فإنك إن لم تفعلي ذلك فما أسرع ما نفترق. وعَنْ جُبَيْرِ بنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، أَنَّهَا قَالَتْ لأَبِي الدَّرْدَاءِ عِنْدَ المَوْتِ: إِنَّكَ خَطَبْتَنِي إِلَى أَبَوَيَّ فِي الدُّنْيَا، فَأَنْكَحُوْكَ، وَأَنَا أَخْطِبُكَ إِلَى نَفْسِكَ فِي الآخِرَةِ.قَالَ: فَلاَ تَنْكِحِيْنَ بَعْدِي.فَخَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ، فَأَخْبَرَتْهُ بِالَّذِي كَانَ. وَرُوِيَتْ مِنْ وَجْهٍ عَنْ لُقْمَانَ بنِ عَامِرٍ، قال: فمات أبو الدرداء، وَكَانَ لَهَا جَمَالٌ وَحُسْنٌ، فخطبها معاوية فقالت: لا والله لا أتزوج زوجا في الدنيا حتى أتزوج أبا الدرداء إن شاء الله في الجنة. وروي من طريق ءاخر: خطب معاوية أم الدرداء، فقالت: سمعت أبا الدرداء، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: المرأة للآخر من أزواجها،وإني سألت أبا الدرداء أن يسأل الله أن يجعلني زوجته في الجنة، فقال: ذلك إن لم تحدثي بعدي زوجا.اهـ
الفقيهة العابدة
قد كانت أم الدرداء إحدى عابدات الشام التي كان لها السبق في العبادةوالصلاح حتى قصدها الناس يتعلمون منها رقة القلب وخشوع الجوارح عندذكر الله وقراءة القرآن. وكان الرجال يقرؤون عليها ويتفقهون في الحائط الشمالي بجامع دمشق، وكان عبد الملك بن مروان يجلس في حلقتها مع المتفقهة يشتغل عليها وهو خليفة، رضي الله عنها. وفي صحيح البخاري،عن أُمِّ الدَّرْدَاءِ (الصغرى التابعية): وَكَانَتْ فَقِيهَةً اهـ ووصله البخاري في التاريخ الصغير من طريق مكحول باللفظ المذكور.اهـ
وَعَنْ عَوْنِ بنِ عَبْدِ اللهِ، قَالَ: كُنَّا نَأْتِي أُمَّ الدَّرْدَاءِ، فَنَذْكُرَ اللهَ عِنْدَهَا.قال: فاتكأتْ ذات يوم، فقيل لها: لعلنا أن نكون قد أمللناك يا أم الدرداء، فجلست فقالت: أزعمتم أنكم قد أمللتموني وقد طلبت العبادة بكل شئ فما وجدت شيئا أشفى لصدري ولا أحرى أن أدرك ما أريد من مجالسة أهل الذكر.اهـ
وَقَالَ يُوْنُسُ بنُ مَيْسَرَةَ: كُنَّ النِّسَاءُ يَتَعَبَّدْنَ مَعَ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، فَإِذَا ضَعُفْنَ عَنِ القِيَامِ، تَعَلَّقْنَ بِالحِبَالِ.
من أقوالها
قَالَ عُثْمَانُ بنُ حَيَّانَ: سَمِعْتُ أُمَّ الدَّرْدَاءِ تَقُوْلُ: إِنَّ أَحدهُمْ يَقُوْلُ: اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ اللهَ لاَ يُمْطِرُ عَلَيْهِ ذَهَبًا وَلاَ دَرَاهِمَ، وَإِنَّمَا يَرْزُقُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، فَمَنْ أُعْطِيَ شَيْئًا، فَلْيَقْبَلْ، فَإِنْ كَانَ غَنِيًّا، فَلْيَضَعْهُ فِي ذِي الحَاجَةِ، وَإِنْ كَانَ فَقِيْرًا، فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ. وعن عثمان بن حيان قال: أكلنا مع أم الدرداء طعاما فأغفلنا الحمد لله، فقالت: يا بني لا تدعوا أن تأدموا طعامكم بذكر الله، أكلا وحمدا، خير من أكل وصمت. اهـ. وقالت: تعلموا الحكمة صغارا تعملوا بها كبارًا. وقالت: أفضل العلم المعرفة.
من رواياتها
روى مسلم في الصحيح عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ بَعَثَ إِلَىَ أُمِّ الدَّرْدَاءِ بِأَنْجَادٍ مِنْ عِنْدِهِ، فَلَمَّا أَنْ كَانَ ذَاتَ لَيْلَةٍ، قَامَ عَبْدُ الْمَلِكِ مِنَ اللَّيْلِ، فَدَعَا خَادِمَهُ، فَكَأَنَّهُ أَبْطَأَ عَلَيْهِ فَلَعَنَهُ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَتْ لَهُ أُمُّ الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُكَ اللَّيْلَةَ لَعَنْتَ خَادِمَكَ حِينَ دَعَوْتَهُ، فَقَالَتْ: سَمِعْتُ أَبَا الدَّرْدَاءِ يَقُولُ:قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لاَ يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلاَ شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". قوله: (بَعَثَ إِلَىَ أُمِّ الدَّرْدَاءِ بِأَنْجَادٍ مِنْ عِنْدِهِ) جمع نجد بفتح النون والجيم وهو متاع البيت الذي يزينه من فرش ونمارق وستور.اهـ
وفي الحديث: الزجر عن اللعن بغير حق وأن من تخلق به لا يكون فيه هذه الصفات الجميلة. وليس الدعاء بهذا من أخلاق المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بالرحمة بينهم والتعاون على البر والتقوى وجعلهم كالبنيان يشد بعضه بعضًا وكالجسد الواحد، وأن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه. وأما قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ وَلاَ شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فمعناه: لا يشفعون يوم القيامة حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا النار.ولا شهداء: فيه ثلاثة أقوال:أصحها وأشهرها لا يكونون شهداء يوم القيامة على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالات. اهـ
وروى الترمذي في جامعه عن مرزُوقٍ أبي بَكْرٍ التّيْميّ عن أُمّ الدّرْداءِ عن أَبِي الدّرْدَاءِ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قالَ: "مَنْ رَدّ عن عِرْضِ أَخِيهِ رَدّ الله عَنْ وَجْهِهِ النّارَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"
وروى أبو داود في سننه عن يُونُسَ بنِ مَيْسَرَةَ عن أُمّ الدّرْدَاءِ عن أَبِي الدّرْدَاءِ رَضِيَ الله عَنْهُ قالَ: "مَنْ قالَ إِذَا أصْبَحَ وإِذَا أَمْسَى: حَسْبِيَ الله لاَ إِلَهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكّلتُ وَهُوَ رَبّ الْعَرشِ الْعَظِيمِ، سَبْعَ مَرّاتٍ، كَفَاهُ الله مَا أَهَمّهُ. اهـ
وفاتها
عَنْ عَبْدِ رَبِّهِ بنِ سُلَيْمَانَ، قَالَ: حَجَّتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَثَمَانِيْنَ. قال ابن حبان في"الثقات": كانت تقيم ستة أشهر ببيت المقدس، وستة أشهر بدمشق، وماتت بعد سنة إحدى وثمانين.اهـ