خَيْرَةُ بِنْتُ أَبِي حَدْرَدٍ، أُمُّ الدَّرْدَاءِ الكُبْرَى، لَهَا صُحْبَةٌ. وقال أحمد بن حنبل ويحيى بن معين: اسم أبي حدرد عبد. كانت أم الدرداء الكبرى من فضلى النساء وعقلائهن وذوات الرأي فيهن مع العبادة والنسك. وقال عَلِيُّ بنُ المَدِيْنِيِّ: كان لأبي الدرداء امرأتان كلتاهما يقال لهما أم الدرداء إحداهما رأت النبي صلى الله عليه وسلم وهي خيرة بنت أبي حدرد والثانية تزوجها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وهي هجيمة الوصابية.
قصة إسلامها
ورد أنَّ أَبا الدَّرْدَاءِ كَانَ مِنْ آخِرِ الأَنْصَارِ إِسْلاَمًا، وَكَانَ يَعْبُدُ صَنَمًا، فَدَخَلَ ابْنُ رَوَاحَةَ، وَمُحَمَّدُ بنُ مَسْلَمَةَ، بَيْتَهُ، فَكَسَرَا صَنَمَهُ. فَرَجَعَ، فَجَعَلَ يَجْمَعُ الصَّنَمَ، وَيَقُوْلُ: وَيْحَكَ! هَلاَّ امْتَنَعْتَ، أَلاَ دَفَعْتَ عَنْ نَفْسِكَ؟ فَقَالَتْ أُمُّ الدَّرْدَاءِ: لَو كَانَ يَنْفَعُ أَوْ يَدْفَعُ عَنْ أَحَدٍ دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ، وَنَفَعَهَا. فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: أَعِدِّي لِي مَاءً فِي المُغْتَسَلِ. فَاغْتَسَلَ، وَلَبِسَ حُلَّتَهُ، ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فأسلم وأسلمت.
رواياتها
كانت حفظت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن زوجها. وروى عنها جماعة من التابعين منهم: ميمون بن مهران وصفوان بن عبد الله وزيد بن أسلموأم الدرداء الصغرى. وأورد الطبراني وغيره لأم الدرداء حديثًا مرفوعًا من طريق ميمون بن مهران قال: قلت لأم الدرداء: أسمعتِ من النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا؟ قالت: نعم دخلت عليه وهو جالس فيالمجلس فسمعته يقول: أول ما يُوضَعُ في الميزان الخُلُق الحسن. وعن أم الدرداء قالت: خرجت من الحمام فلقيني النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "من أين يا أم الدرداء؟". فقلت: من الحمام فقال: "والذي نفسي بيده ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن عز وجل". قال الهيثمي: رواه أحمد والطبراني في الكبير بأسانيد ورجال أحدها رجال الصحيح.اهـ
(تضع ثيابها) أي الساترة لها (إلا وهي هاتكة كل ستر) بكسر أوله، أي حجاب الحياء (بينها وبين الرحمن) لأنها مأمورة بالتستر والتحفظ . فإذا كشفت ما لا يجوز كشفه في الحمام من غير ضرورة فقد هتكت الستر الذي أمرها الله تعالى به. قال الطيبي: وذلك لأن الله تعالى أنزل لباسًا ليواري به سوآتهن، وهو لباس التقوى، فإذا لم يتقين الله تعالى وكشفن سوآتهن هتكن السِّتر بينهن وبين الله تعالى انتهى.
حالها مع زوجها
وَروي أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ آخَى بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، فَجَاءهُ سَلْمَانُ يَزُوْرُهُ، فَإِذَا أُمُّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةٌ. فَقَالَ: مَا شَأْنُكِ؟ قَالَتْ: إِنَّ أَخَاكَ لاَ حَاجَةَ لَهُ فِي الدُّنْيَا، يَقُوْمُ اللَّيْلَ، وَيَصُومُ النَّهَارَ. فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ، فَرَحَّبَ بِهِ، وَقَرَّبَ إِلَيْهِ طَعَامًا. فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ: كُلْ. قَالَ: إِنِّي صَائِمٌ. قَالَ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَتُفْطِرَنَّ. فَأَكَلَ مَعَهُ، ثُمَّ بَاتَ عِنْدَهُ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ اللَّيْلِ، أَرَادَ أَبُو الدَّرْدَاءِ أَنْ يَقُوْمَ، فَمَنَعَهُ سَلْمَانُ، وَقَالَ: إِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَلأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَصَلِّ، وَائْتِ أَهْلَكَ، وَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ. فَلَمَّا كَانَ وَجْهُ الصُّبْحِ، قَالَ: قُمِ الآنَ إِنْ شِئْتَ. فَقَامَا، فَتَوَضَّأَا، ثُمَّ رَكَعَا، ثُمَّ خَرَجَا إِلَى الصَّلاَةِ، فَدَنَا أَبُو الدَّرْدَاءِ لِيُخْبِرَ رَسُوْلَ اللهِ بِالَّذِي أَمَرَهُ سَلْمَانُ. فَقَالَ لَهُ: (يَا أَبَا الدَّرْدَاءِ! إِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، مِثْلَ مَا قَالَ لَكَ سَلْمَانُ). أخرجها الدارقطني وغيره. ففي هذه الرواية أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أشار إليهما بأنه علِم بطريقِ الوحيِ ما دارَ بينَهما.
وفاتها
توفيت قبل أبي الدرداء بسنتين وذلك بالشام في خلافة عثمان.