الوطن......الوطن
ولدت قبل أمي بثلاثين سنة. شيئ جميل, والأجمل فيه أنها تكبرني بثلاثة أضعاف ذلك السن . وهذا أيضا ما فيه الكفاية وبلوغ النهاية , وتسابقنا نحومقبرة لأجداث في بطنها – لكنها سبقتني – وتركتني يتيما بلا رعاية. حدث هذا قبل البداية
نترك ذلك جانبا ولا نخوض في أمعائه لأن ما فوق التراب هو تراب, ولنهتم بهذا المسكين العائد بعد طول غياب.
هل منا ومن بيننا من يعرف له اسما؟ وهل منا ومن بيننا من يقص له رسما؟
وجاء رجل من غرب المدينة يسعى وبيده عصا , يتقدم كوكبة من رجال يعلو وجوهها غبار أصفر . أهم من قوم قومك يا عيسى؟ أم هم أبناء العم يا موسى؟
ولا جواب.. صمت كمم الأفواه وعقر الألسنة .. حججهم مهجنة وليس بأيديهم بينة
ونطح الأخ أخاه بألفاظ خشنة , وصاحت الأم : يا ويلتي مالي أرى أكبادي تحت أضراس طاحنة.
أأنتم مني وأنا أمكم ؟ لما هذه الملاسنة ؟ رحم الله أباكم يا ليته كان بيننا ؟
هدأت العاصفة تحت رماد, مبيت ليوم أشد سواد , وجاء اليوم الموالي , وتنأى الوالدة بعيدا وتأوي لخيمة الأشباح , ويؤذن مؤذن في مسامع التائهين
الإصلاح الإصلاح . وزلزلت الأرض فأخرجت خباياها طيورا بلا جناح
وعاد الوالد الميت طيفا زائرا يقرع بصوته الجهوري ويقول: الوطن ..الوطن
يا أبنائي يا عرب ودا وصونا. لا سيف ولا سلاح...ابنوا الوطن وتغنوا بهديل الفلاح.
واسقوا تربته شهدا بعرقكم فقد حرره رجال بكفاح , واستبينوا الرجال. كفانا ...كفانا
من تنابز فالأفئدة منا كلها جراح, والوطن غال والاسم عال فاحموه بصدق وارتياح
ابراهيم تايحي