إني صائم : تلك الكلمة يذَكّر الصائم بها نفسه وغيره فيحفظ بها صيامه وطاعته لربه، فلا يجهل على أحد فضلاً عن أن يتعدى ويظلم...
إني صائم : قد قطعت حظ الشيطان عني بصيامي وضيقت عليه مسالكه وطرقه.
إني صائم : فصومي سداً منيعاً لهوى نفسي وحظوظها وغوايتها فقد تركت ما اعتدت عليه من الحلال من طعام وشراب وغيرهما تقرباً إلى الله وطاعةً له عز وجل فكيف بما هو في الأصل حراماً ؟ فأنا أبعد الناس عنه ؛ لأني صائم.
إني صائم : فأنا ساكن النفس ، مستقر البال ، طيب القلب ، نظيف الصدر ، نشيطاً مبتسماً لا أعبس في وجه أحد ، يظهر أثر صيامي على جوارحي وطريقة كلامي وهدي.
إني صائم : رائحة فمي أطيب عند الله سبحانه من ريح المسك أقسم نبينا صلى الله عليه وسلم على ذلك " وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ " فلا أغير تلك الرائحة الزكية بالغيبة والنميمة وغيرها وأصون لساني عن ذلك فضلاً عن أن أسب أو أشتم أو أتوعد فصيامي يحول بيني وبين ذلك.
إني صائم : لا أترك الرد على الإساءة إلا مرضاةً لربي كما أني لا أصوم إلا لأجله سبحانه " يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا".
إني صائم : فصومي وقاية لي عن الشرور والآثام الجسدية والمعنوية ، كذلك وقاية لي عن الفضول وتفاهات الأمور وضياع الوقت في القيل والقال.
إني صائم : فعند فطري أعتاد ما كنت عليه وأنا صائم فأفرح بذلك الفطر ؛ لأني قد أديت فريضة ربي وهي الصوم وبقي ما اعتدت عليه من طاعة وصوم وأداء باقي الفروض والأركان وهذه فرحتها الكبرى عند لقاء ربي.
إني صائم : لأني أعلم قول ربي سبحانه : " إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً" (الإسراء: من الآية36) إني صائم : لا أقول ذلك على سبيل الرياء والسمعة أو العُجب وإنما تطبيقاً لأمر نبينا صلى الله عليه وسلم في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَجْهَلْ وَإِنْ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي صَائِمٌ مَرَّتَيْنِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، ِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ" رواه البخاري ومسلم وكذلك المرأة مثل الرجل فهي شقيقته يشملها قول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فلتقل :
إني صائمة : فلا أشغل نفسي بالقيل والقال أو ذهبت فلانة وأتت فلانة من الأمور التي هي تمهيد أو إفضاء إلى الغيبة والنميمة.
إني صائمة : فأجهز الطعام وأنا أسبح وأؤدي عمل البيت وأنا أقرأ من محفوظي أو أسمع القرآن فطعامي لم ينضجه حرَّ النار إنما أنضجه التسبيح والأذكار.
إني صائمة : فلا أقضي وقتي في المحلات أو الأسواق التجارية لا ليلاً ولا نهاراً فوقت رمضان علي عزيز فأحرص على اغتنامه.
إني صائمة : فأكون مربية لأولادي بالقدوة فعندما يرون تسبيحي وقراءتي وصلاتي يقلدونني وكم من ابن أو بنت رأت أمها ساجدةً فسجدت بجوارها ورددت ما تردد ورفعت يديها بالدعاء كما ترفع.
إني صائمة: فأصون ظاهري بالحجاب والحشمة والوقار كما صنت باطني بالصيام والمعاني العظام.
إن كمال الصيام وتمامه هو كف الجوارح عن الآثام وذلك بستة أمور هي :
1. غض البصر وكفه عن الاتساع في النظر إلى كل ما يذم ويكره ، وكفه عن كل ما يشغل القلب ويلهي عن ذكر الله عز وجل.
2. حفظ اللسان عن الهذيان والكذب والغيبة والنميمة والفحش والجفاء والخصومة والمِراء ، وإلزامه السكوت وشغله بذكر الله سبحانه وتلاوة القرآن فهذا صوم اللسان.
3. كف السمع عن الإصغاء إلى كل مكروه ؛ لأن كل ما حرم قوله حرم الإصغاء إليه ولذلك سوى الله عز وجل بين المستمع وآكل السحت فقال تعالى : " سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ"(المائدة: من الآية42) وقال عز وجل : " لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ" (المائدة:63) .
4. كف بقية الجوارح عن الآثام من اليد والرجل عن المكاره ، وكف البطن عن الشبهات وقت الإفطار ، فلا معنى للصوم ومنه الكف عن الطعام الحلال ثم الإفطار على الحرام ، فهذا كمن يبني قصراً ويهدم مصراً.
5. أن لا يستكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار بحيث يمتلىء جوفه فما من وعاء أبغض إلى الله عز وجل من بطن مليء من حلال ، عَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ " رواه الترمذي وغيره بإسناد صحيح.
وكيف يستفاد من الصوم بقهر عدو الله إبليس وتضييق مسالكه وكسر شهوة النفس إذا تدارك الصائم عند فطره ما فاته ضحوة نهاره وربما يزيد عليه في ألوان الطعام؟! حتى استمرت العادات بأن تدخر جميع الأطعمة لرمضان فيؤكل من الأطعمة فيه ما لا يؤكل في عدة أشهر ، ومقصود الصوم الخواء وكسر الهوى لتقوى النفس على التقوى ، فإذا فرغت المعدة من الفجر أو بعده إلى المغرب حتى هاجت شهوتها وقويت رغبتها ثم أطعمت من اللذات وأشبعت زادت لذتها وتضاعفت قوتها وانبعث من الشهوات ما عساها كانت راكدة لو تركت على عادتها ، فغاية الصوم وسره تضعيف القوى التي هي وسائل الشيطان في العود إلى الشرور ، ولن يحصل ذلك إلا بالتقليل وهو أن يأكل أكلته التي كان يأكلها كل ليلة لو لم يصم فأما إذا جمع ما كان يأكل ضحوة إلى ما كان يأكل ليلاً فلا ينتفع بصومه. بل من الآداب أن لا يكثر النوم بالنهار حتى يحس بالجوع والعطش ويستشعر ضعف القوي فيصفو عند ذلك قلبه ويستديم في كل ليلة قدراً من الضعف حتى يخف عليه تهجده وأوراده.
6. أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقاً مضطرباً بين الخوف والرجاء إذ ليس يدري أيقبل صومه فهو من المقربين أو يرد عليه فهو من الممقوتين؟ وليكن كذلك في آخر كل عبادة يفرغ منها فقد روي عن الحسن البصري أنه مر بقوم وهم يضحكون فقال: إن الله عز وجل جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه يستبقون فيه لطاعته فسبق قوم ففازوا ، وتخلف أقوام فخابوا فالعجب كل العجب للضاحك اللاعب في اليوم الذي فاز فيه السابقون وخاب فيه المبطلون ؛ أما والله لو كشف الغطاء لاشتغل المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته أي : كان سرور المقبول يشغله عن اللعب ، وحسرة المردود تسد عليه باب الضحك ، وعن الأحنف بن قيس: أنه قيل له : إنك شيخ كبير وإن الصيام يضعفك ، فقال: إني أعده لسفر طويل والصبر على طاعة الله سبحانه أهون من الصبر على عذابه.
اللهم احفظ علينا ديننا وطاعتك وبلغنا رضوانك وأعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.