أسرار صيام الحيوانات والطيور والحشرات وحكمة الله فى ذلكتدبر فى شهر القرآن
جعل الله تعالى الصوم يندرج على كل المخلوقات ومنها الحيوانات والطيور والحشرات، وهكذا نرى أدق وأصغر المخلوقات تشارك فيه تماما كما يشارك فيه أضخم المخلوقات، وهذا يؤكد يقيننا من كون الله تعالى ما فرض على مخلوقاته فريضة أو منع عنها فريضة أو أمرا إلا والابتغاء والقصد من ورائه الخير لها، وحفاظا على حياتها وسلامتها.
الأسد:ومن تلك الحيوانات اكتشف المختصون أن الأسد يصوم، وهو ما يسمى بملك الغابة، فهو يصوم يوماً في الأسبوع والسبب من وراء ذلك، التخلص من حمض البوليك السام المضر على جسمه، ويأتي هذا الحمض من أكل اللحوم الذي لا يأكل غيرها.
طيور الزينة:نلاحظ عندما تنقلها من قفص إلى قفص آخر جديد فإنه يبدأ مباشرة بالصيام، والسبب لتغير المكان عليه ولحزنه على قفصه وبيته القديم ومع الوقت يبدأ الطير بالتغريد ويوقف الصيام ويبدأ بالفطور ويعود ثانية إلى حياته السابقة.
البطريق:إن طيور البطريق من الطيور المغرمة بسكن المناطق الباردة؛ حيث تستهويها الحياة بين الثلوج، فيوجد من هذه الطيور نحو 17 نوعا في العالم، ويعيش نوع واحد منها فقط في المناطق القطبية الشمالية، بينما تنتشر الأنواع الباقية في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية موزعة في البحار الممتدة بين جنوب أستراليا وإفريقيا وأمريكا.
وتختلف هذه الأنواع اختلافات بينة في سلوكها نحو وضع البيض وتفريخه، فأنواع المنطقة الجنوبية تقضي بها فصل الشتاء. وعند حلول الربيع تعود هذه الطيور قافلة إلى وطنها في الشمال، قاطعة مئات الأميال حتى تصل إلى بقعة الأنسال والتكاثر، وما إن ينتهي بها المطاف، وتلقي عصا التسيار، حتى تخرج إلى اليابس لتبني أعشاشها من قطع الصخور، وبعد نحو ثلاثة أسابيع من وصولها تكون قد هيأت الأعشاش وأتمت التكاثر، فتضع الأنثى بيضتين ذواتي لون أبيض مشوب بالزرقة، فيتولى الذكر مهمة حضانة البيض بدلا من الأنثى التي تكون مشغولة بالبحث عن الطعام في مياه البحار العميقة، في حين يظل الذكر صائما لمدة أسبوعين حتى تخرج الصغار، وعندئذ ينطلق الذكر إلى البحر فيرتشف بعضا من مائة، ويأكل ما يجود الله به له من غذاء فيتناوله بسعادة، في حين ترجع الأنثى فتغذي تلك الصغار النضرة. فمن الذي علَّمها هذا السلوك؟! ومن الذي هداها إلى تقسيم أعمال الحضانة على هذا النحو، بل والعدل فيه؟! من الذي هداها لهذا كله إلا الله سبحانه وتعالى؟!
.. ونواصل الكتابة عن الصيام الفطرى للكائنات البحرية ومنها :
الضفادعكما نعلم أن الضفدع من الحيوانات البرمائية ويكون دم الضفادع باردا، وبسبب ذلك تعيش في فصلي الربيع والصيف فى الماء، ولكن في الشتاء فأنها تكون قد اختزنت كميات هائلة من الطعام في معدتها فيصبح وزنها ثلاثة أضعاف لكي يكون مخزونها الوافر في هذا الفصل وتكون في حالة من السبات لدرجة التجمد مثلها مثل الجليد حتى ينتهي فصل الشتاء فيبدأ سريان الدم والتدفق في جسمها المتجمد فتتحرك وتخرج من السبات.
صيام أسماك السالمونفصيامه الفطري يعتبر آية من آيات الله تعالى، وصورة من صور التنوع البيولوجي العجيب والغريب؛ فهذه الأسماك تعيش مراحل صباها الباكرة في مياه الأنهار العذبة، ثم لا تلبث أن تهجرها متجهة إلى المياه المالحة في البحار والمحيطات، وإذا كانت ثعابين السمك تمارس نوعين من الصيام: الصوم الأول والصوم الثاني والأخير، في عرض المحيط، وفي مياه تبلغ ملوحتها 35%، كما أنها لا تتكاثر ولا تضع بيضها إلا في هذا الماء الملح الأجاج - فإن أسماك السالمون الأحمر تمتاز بأن لها نمطًا آخر من أنماط الصيام؛ فهذه الأسماك تقضي جانبًا من حياتها في عرض البحار، يصل إلى نحو 4 – 7 سنوات، فإذا ما أصبحت على وشك النضج الجنسي، وأصبحت مهيأة للتكاثر؛ فإنها تتجمع في منطقة بشمال المحيط الأطلسي عبر سباحة شاقة تقطع خلالها 4 - 5 آلاف كيلو متر، ثم تكمل رحلتها هذه إلى حيث تصب الأنهار مياهها في البحر، فيتجه كل نوع إلى الموطن الأصلي الذي نشأ فيه وترعرع.
وهذه الأسماك تبدأ صيامها الأول والأخير بمجرد أن تترك المياه المالحة؛ لتبدأ السباحة في المياه العذبة، وتستغرق رحلتها عدة أشهر، تواصل فيها التقدم والتجول عبر مياه النهر حتى تصل إلى المكان الذى تجده صالحًا وملائمًا لوضع البيض وتحضينه، وتبدأ في معسكر عمل تشترك فيه الأمهات والآباء؛ حيث تحفر أماكن لوضع البيض؛ ثم تقوم الإناث بوضع البيض، بعد ذلك تنشر الذكور عليه حيواناتها المنوية ليتم إخصابه خارجيًّا، كما هو الحال في كثير من الأسماك، وسبحان الله الحفيظ.
العناكبتصوم أثناء فترة وضع البيض وحضانته , وهناك أنواع من العناكب تصنع خيمة من الحرير أثناء فترة وضع البيض لكي تضع البيض فيها، وعليها الآن أن ترعاها، وتظل قائمة عليها فلا تغادر الخيمة، وتظل طوال تلك الفترة صائمة حتى يفقس البيض، فتصبح الأم ضعيفة وهزيلة والسبب تجهيز السوائل اللازمة لتغذيتها وتغذية صغارها.
الحشرات التي تفضل الصيام على قمم الجبالمن الطريف في عالم الحشرات ما يشاهد من ميل بعض أنواع الخنافس إلى قضاء وقت الشتاء؛ حيث البرد القارس على قمم الجبال، فبمجرد أن تحس ببرودة الجو، وأن تباشير الشتاء قد أقبلت فإنها تهرول إلى قمم الجبال، وكأنها بهذا تنادي بني جنسها قائلة: «من يسبح معي ضد التيار».
ومعلوم أن قمم الجبال والأماكن المرتفعة في البلاد الأوروبية تكون شديدة البرودة إلى حد أن تكتسي بالثلوج؛ فتنخفض درجات حرارتها إلى نحو 30م تحت الصفر، ولا شك أن هذه الحشرات ستصادف هذه الظروف القاسية؛ فهي - وإن كانت أجسامها ممتلئة بكميات من الدهن - تستطيع الاعتماد عليها خلال فترة بيات وصيام تستغرق فصل الشتاء، غير أن هذه البرودة لا بد أن تؤثر فيها، وتجعلها بحاجة أخرى إلى كمية من الوقود الذي يمدها بالدفء، وبخاصة في أواخر الشتاء؛ حيث يكون مخزونها الغذائي قد أوشك على النضوب وإحساسها بالبرودة يصبح شيئًا ملموسًا؛ فماذا تفعل هذه الحشرات التي لم يَحِن بعد وقت إفطارها؟ هل تستسلم لتلك الظروف، أم أن الله سبحانه قدر لها وسيلة مناسبة تخرج بها من هذا المأزق الحرج؟
نعم، إن الله (سبحانه وتعالى) الذي وصف صنعته بالحُسن، ووصفها بدقة التدبير وإحكام التقدير – قد أعطى كل مخلوق من الوسائل ما يجعله يشق طريق حياته على نحو مُرضٍ؛ فلم تشأ عناية الله أن تتخلى عن هذه الحشرات. كما لم تتخلَّ عن غيرها؛ حيث تتم بداخل أجسامها عملية هامة إبان نزوحها إلى قمم الجبال، ألا وهي أنها تأكل في هذه الفترة بشراهة، وتخزِّن الكميات الزائدة عن احتياجاتها على هيئة دهون.
وفي نفس الوقت فإنها تمتنع عن شرب الماء فتقل نسبة الماء في أجسامها، ويتحول الماء الحر الذي كان موجودًا بسوائل أجسامها إلى نوع آخر من المياه، وهو الماء المرتبط، وهو عبارة عن نوع من المياه التي تذوب فيها بعض المكونات الغذائية وتجعلها كثيفة القوام؛ ولهذه الصورة من المياه فائدة هامة، ألا وهي إكساب هذه الحشرات القدرة على تحمُّل درجات الحرارة المنخفضة؛ فلا تتجمد المياه بداخل أجسامها عندما تنخفض درجة الحرارة إلى ما دون الصفر المئوي.
وإذا حدث ما لا تحمد عقباه من انخفاض درجة الحرارة إلى حدود ليس في مقدورها تَحمُّلها فإننا نجد رحمة الله بهذه المخلوقات تكسبها خاصية أخرى على درجة كبيرة من الأهمية؛ حيث يكون في مقدور هذه الحشرات أن تحصل على طاقة حرارية مذهلة؛ وهو ما بداخل أجسامها من الماء، ومعلوم أن هذه الحرارة هي الحرارة الكامنة للماء، فإذا ما انخفضت درجة حرارة الوسط المحيط إلى 30م تحت الصفر المئوي، فإن هذه الحشرات تقوم بتحرير طاقة الماء فترتفع درجة حرارة أجسامها إلى الصفر المئوي، أي ترتفع 30م، ولا تتكرر هذه العملية إلا مرة واحدة، وتكفي هذه الحشرات لإتمام صومها في ذلك المنتجعات الشتوية فتبارك الله القائل: (إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ)