السٌل Tuberculosis
في أيام الملكة فيكتوريا كان السل داء يقتل شخصا واحدا بين كل أربعة أشخاص في أوروبا الغربية وظل هذا الداء آفة صحية حتى الحرب العالمية الثانية عندما أدى اكتشاف المضادات الحيوية إلى تراجعه .
لكن هذا التراجع لم يحصل على نطاق العالم كله ، فلا يزال ثلث سكان العالم يصابون بمرض السل ولا يزال هذا المرض يقتل ثلاثة ملايين شخص كل سنة تأتي نسبة 95 بالمئة منهم من العالم الثالث .
وينتج السل عند البشر من جرثومة تسمى Mycobacterium tuberculosis أو جرثومة التدرن الرئوي ، لكن الكثيرين ممن لديهم هذه الجرثومة لا يصابون بمرض السل وتكون فرص حصول هذه الإصابة عندهم 10 بالمئة رغم أن نسبة المخاطر تزداد بقوة إذا تأثر جهاز المناعة عند الشخص بمسببات أخرى مثل جرثومة الايدز أو بسبب سوء التغذية أو التقدم في السن .
وينتشر السل بسهولة بحيث تنقل الجرثومة عبر الهواء وتنتشر عبر السعال والعطس وحتى الكلام لكن وبشرط عدم وجود خلل ما في نظام أو جهاز المناعة عند الشخص فإن مخاطر الإصابة بواسطة الاتصال الذي يحصل بالصدفة تبقى قليلة نسبيا ويمكن أن تضاءل أكثر بفعل التهوية الملائمة في البيوت والأماكن العامة .
والهجوم المتجدد لمرض السل على عالم الغرب ظهر بوضوح في مدينة نيويورك في الثمانينات حيث ارتفعت حالات الإصابة بالسل بنسبة 150 بالمئة ، ولقد حصلت معظم هذه الإصابات في الأحياء الفقيرة من المدينة حيث تتعقد المشكلة بفعل المخدرات والغذاء غير الملائم ومؤثرات الأمراض الأخرى .
والعنصر الخطر هذه المرة هو أن جرثومة السل أصبحت تقاوم الأدوية ، وبعض سالات هذه الجرثومة لديها مقاومة لكل الأدوية المعروفة والموثوقة بأنها مضادة للسل إذ أنه من المستحيل معالجة الأشخاص المصابين بهذه السلالات من جرثومة السل .
وأكثر لقاحات السل استعمالا وأرخصها ثمنا هو لقاح BCG Bacille Calmette Guerin
الذي هو جرثومة حية مستخرجة من الماشية ولقد أدى هذا اللقاح على مدى السنين إلى إنقاذ ملايين الأشخاص ويتم تلقيح أطفال المدارس اليوم به كإجراء وقائي ولكن رغم أن لقاح BCG يحقق نتائج جيدة عند الأطفال فإنه يؤدي إلى نتائج متباينة عند الراشدين وفي بعض الأحيان لا يوفر لهؤلاء اي وقاية على الإطلاق .
وأحد المشاكل الرئيسية اليوم في محاربة السل هي أنها قد تتطلب إجراء شهر من الفحوصات المخبرية في المستشفي لتأكيد إصابة الشخص بالمرض وتستغرق مدة أطول لتحديد عما إذا كان الشخص مصابا بسلالة جرثومية مقاومة للأدوية ، وحتى في حال تسريع عملية تحديد وجود جرثومة السل عند المرضى فإن الطب اليوم يواجه حقيقة أنه لم يتم تطوير أدوية جديدة مضادة للسل منذ سنوات ، ولقد توقفت الأبحاث المتعلقة بالسل عندما ظن العلماء أنه تم ضبط هذا الداء وكان ذلك قبل الحقبة الحديثة .
لكن الأمور تتغير اليوم فقد أدى ظهور سلالات جرثومية مسببة للسل ومقاومة للأدوية إلى توفير حافز جديد لأبحاث جديدة متصلة بهذا المرض خاصة فيما يتعلق بالصلة بين الايدز والسل فالنقص في المناعة يؤدي إلى الإصابة بالسل وأمراض أخرى وهذا النقص شائع بين مصابي الايدز