الملاريا Malaria
تقتل الملاريا على نطاق العالم المزيد من الأشخاص أكثر مما يفعله أي داء آخر والملاريا هي أحد أقدم الأمراض المعروفة للبشرية وربما تكون جلبت المآسي لسكان ما قبل التاريخ وتتواجد الطفيليات المسببة للملاريا في أجسام 60 نوع مختلف من البعوض ويتم نقل هذه الطفيليات إلى الإنسان من جانب البعوض الأنثى او البعوضة .
والبعوض الذكر ليس مجهزا للعض وغذاؤه الأساسي هو رحيق النبات ( السائل العذب فيه ) وكذلك هو غذاء الأنثى لكن هذه الأخيرة تحتاج إلى جرعة من الدم مرة أو مرتين في حياتها لتوفير الفيتامينات الضرورية وإذا لم تحصل البعوض الأنثى على هذا الدم يضعف نسلها حتى تموت في النهاية وتلتقط أنثى البعوض طفيليات الملاريا مع الدم إذا كان مصدر الدم مصابا بالمرض .
وتبدأ المشكلة بالنسبة للبشر بالبعوض الأنثى المصابة فقبل أن تسحب هذه الأنثى الدم من الأوعية الدموية تعمل على فتح خراطيمها من خلال حقن مئات من الطفيليات المجهرية في الدم الضحية وفي غضون نصف ساعة تجد هذه الطفيليات طريقها إلى كبد الضحية حيث تصبح آمنة من هجوم مضاد من جانب النظام الدفاعي في الجسد وفي الكبد تتضاعف هذه الطفيليات ثم تعود إلى الدورة الدموية في شكل معدل بحيث تغزو خلايا الدم الحمراء وفي النهاية تنفجر الخلايا المصابة وتفرز المزيد من الطفيليات التي تغزو خلايا أخرى في الجسد في نوع من التفاعل التسلسلي .
وتبدأ العوارض على شكل فترات متناوبة من الارتعاش والتعرق والشعور بالاغماء وآلام مختلفة في الجسد ضمن ما بين أسبوع واحد إلى 14 يوما لكن هناك نوع واحد من الطفيليات vivax malaria يمكن أن يبقى كامنا في الشخص عدة سنوات ونوبات أو إصابات الملاريا ليست غير شائعة اليوم بين الرجال الذين قاتلوا في الشرق الأقصى خلال الحرب وهي متكررة بين الذين قاتلوا بعد الحرب العالمية الثانية في ماليزيا .
ولقد تم تعريف العلاج الأول الفعال للملاريا في البيرو في القرن السابع عشر عندما استعمل الهنود جذع إحدى الأشجار لاستخراج العلاج ولقد أخذ هذا العلاج الجديد إلى روما في سنة 1632 ربما من جانب رجال الدين وأصبح معروفا لاحقا في انجلترا في سنة 1658 ولقد أصيب الثائر الإنجليزي الشهير أوليفر كرومويل بالملاريا وظل يعاني منه دون علاج .
وبعد عدة سنوات حقق أحد أطباء لندن واسمه روبرت تالبور الشهرة والثروة باستعمال لحاء شجرة الكينا لمعالجة مشاهير المصابين بالملاريا مثل ملكة إسبانيا ولكن استمر الأمر حتى سنة 1820 عندما نجح كيميائيان فرنسيان في عزل مادة قلوية سموها كواناين quinine من لحاء شجرة الكينا وتم لاحقا زرع شجرة الكينا في جاوا التي أصبحت تنتج معظم الانتاج العالمي من مادة كواناين رغم أن الاحتلال الياباني في الحرب العالمية الثانية أدى إلى قطع هذا المصدر الحيوي لهذه المادة مما أجبر البريطانيون والأميركيون على التفتيش عن بدائل صناعية تركيبية لهذه المادة وهكذا تم التوصل إلى دواء فعال ضد الملاريا اسمه كلوركواين chloroquine وإلى مضاد الحشرات د . د . ت . DDT لمحاربة البعوض نفسه واستعمال هاتين المادتين معا أدى إلى استئصال المرض من بعض البلدان المصابة به في سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية مما أدى إلى انتعاش الآمال في الستينات بإمكانية القضاء نهائيا على الملاريا .
ثم بدأت المشاكل ففي أول الأمر أصبج البعوض مقاوما لمادة د . د . ت ثم بدأ يطور مقاومته لمادة كلوروكواين أيضا وكانت النتيجة في السنوات الأخيرة حصول تصاعد في المرض في المناطق الاستوائية مع تهديد محتمل لأجزاء من الولايات المتحدة وجنوبي أوروبا وفي الهند مثلا التي تعد أسوأ البلدان المصابة يبلغ عدد حالات الإصابة بالملاريا 60 مليون إصابة في السنة .
وافريقا التي تصاب بالقحط والجفاف والمجاعة والعديد من المشاكل الأخرى هي المركز الأسوأ لإصابات الملاريا حيث تقوم تقديرات منظمة الصحة العالمية أن الملاريا تقتل مليون طفل افريقي تحت سن الخمس سنوات كل سنة وأن العدد الإجمالي للإصابات بالملاريا في القارة الافريقية يزيد عن 250 مليون إصابة سنويا .
وهكذا يعود السباق مع الملاريا ومع العثور على دواء جديد لهذا المرض وأحد آخر الأدوية المستعملة في هذا المجال هو دواء ميلفلوكاين melfloquine الذي طوره الجيش الأميركي خلال حرب فيتنام لكن بعض فصائل البعوض تطورت مقاومتها لهذا الدواء والمشكلة الأخرى المتعلقة بعلاج الملاريا هي العوارض على الأقل في مراحلها الباكرة والتي تشبه عوارض الأنفلونزا مما يؤدي إلى الارتباك عدة أيام قبل أن يتلقى المصاب العلاج الملائم .
ويكمن الجواب الحقيقي في تطوير لقاح مضاد للملاريا رغم أن ذلك يبقى بعيدا عن متناولنا في الحاضر وحتى ذلك الوقت لا يزل الإنسان يصارع في معركته القديمة ضد عالم الحشرات